الإثنين 25 نوفمبر 2024

رواية وبقي منها حطام أنثى بقلم منال سالم و ياسمين عادل

انت في الصفحة 35 من 64 صفحات

موقع أيام نيوز


النادمة وتعابيره الأسفة ..
استشعرت صدق نظراته ولكن عقلها رفض الإستسلام والعفو عنه ..
استندت بساعديها على ركبتيها ثم دفنت رأسها بين كفيها وهي في حيرة
من أمرها بينما تابع والدها حديثه قائلا 
عارف اني ظلمتك لكن كل اللي كان شاغلني الناس وكلامهم مكنتش هطيق حد يجيب سيرتك بكلمة يابنتي
كانت إيثار على وشك مقاطعته ولكنها أشار لها بكفه لتصمت وتابع بجدية 

اسمعيني يابنتي انا اب وانتي عمرك ما هتفهمي كلامي ولا احساسي انا عمري ما تمنيت في الدنيا غير سعادتك انتي واخوكي .. حتى لو كان اسلوبي غلط !!!
اخذ شهيقا عميقا ثم زفره على مهل وتابع بكلمات مؤثرة وقعت على حواسها وقعا مثيرا 
عدت سنين وكلامي مش هيفيد بس محبش اني اموت وسايب حته مني زعلانة مني يابنتي سامحيني ياإيثار 
_ حدقت به غير مصدقة ما سمعته للتو وحالة الذهول مسيطرة عليها فهز رأسه للتأكيد ثم كرر كلمته وهو يقول بجدية تحمل الندم 
ايوة زي ما سمعتي انا بطلب منك لأول مرة تسامحيني على اي حاجة يابنتي !
_ زحزح جسده ليهبط أسفل الغطاء ثم أراح رأسه على الوسادة وسلط بصره على سقف الحجرة . 
_ في هذا الحين كانت تقف تحية وأطرافها ترتعش من وراء الباب لتستمع لحديثهما إلى أن اختفى الصوت فجأة فرفعت رأسها للسماء وفتحت كفيها وهي تنطق بتضرع 
وحياة حبيبك النبي يارب حنن قلب بنتي وأرضيها وأسعدها يارب !
_ انفتح الباب لتظهر إيثار من خلفه ثم عبرت للخارج أمام والدتها ومنها إلى حجرتها دون أن تنطق ببنس شفة ..
أوصدت الباب خلفها لتستمر مسيرة عزلتها ثم وقفت أمام النافذة تتطالع الغروب وقرص الشمس يهبط بإتجاه البحر من الغرب وكأن هذا القرص الذهبي تحتضنه الأمواج وينغمس أسفل الأعماق ..
كان مشهدا مريحا للعين مثيرا لهدوء الأعصاب أغمضت عينيها استسلاما لنسمة هواء طفيفة لمست وجهها حتى هاجمتها ذكرى آخرى سابقة أسعدت فؤادها في وقت ما لكنها استعدت عبرات الاشتياق الممزوج بالعتاب .....
.........................................
عودة بالوقت للسابق 
_ وقفا سويا كلا منهما في النافذة الخاصة به يطالعان من مكانهما ذلك السحر الفطري .. حيث أثارها مشهد الغروب فطلبت منه الصمت حتى يتمكنا من متابعته سويا .. كانت بسمتها تشكل فارقا في يومه فرفع رأسه يتأملها بنظرات عاشق هلكه عشقه..
فشعرت بعينيه معلقتان بها ..
أسبلت عيناها لتلتقى بعينيه ثم ابتسمت بإستحياء وهي تقول 
مش قولنا هنشوف الغروب سوا 
رد مالك بنبرة صادقة ونظرات مأسورة 
انتي عندي احلى من اجمل منظر غروب 
_ ابتسمت وتوردت وجنتيها خجلا منه فظهرت غمازتيها لتبدو أكثر جمالا وأشراقا ..
فتابع هو بسمته العاشقة ببيت شعري كتبه لها وردده على مسامعها 
أستحت ... 
فصار للخجل لونا بأسمها .. 
فياليت كل الحياء گحياء حبيبتي .. 
وبذور القرنفل تعلو ثغرها 
..............................
عادت لأرض الواقع المجحف الذي هي فيه الآن ولكنها على الأقل رسمت بسمة على محياها على إأثر ذكراه الذي لم ينصرف أو يزال من ذهنها قط 
.. أغلقت النافذة ثم عادت لفراشها مدعية الرغبة في النوم لعلها تهرب من كم الذكريات الذي يطاردها ليوقظ شعلة حبها وشوقها من جديد . 
...................................
_ كان هذا الصباح مختلفا لها فبالرغم من إشراقه إلا إنها كانت حزينة لفراق أحدا عزيزا عليها .. مصطفى ذلك الطفل الصغير الذي اعتادت على مجالسته يوميا عقب ذهاب والديه للعمل .. 
واليوم ستقوم الطائرة بالإقلاع وهي تحمل هذه الأسرة لإحدى الدول الأوروبية في رحلة هجرة أبدية وقررت هي توديع الصغير على طريقتها الخاصة .. 
قامت هي بتصميم ألبوم كامل من الصور الفوتوغرافية التي جمعتها به لتمثل له ذكرى عزيزة ذات يوم عندما يكبر ويتذكرها أثنت والدته السيدة رانيا على فعلتها الراقية وهي تقول بإمتنان 
كلك ذوق ياإيثار مكنش في لزوم تتعبي نفسك
ردت عليها إيثار وهي تمسح بيدها رأس الصغير 
متقوليش كده يامدام رانيا ربنا عالم مصطفي عزيز عليا قد اي
هتف مصطفي وهو يتعلق بذراعها وانا بحبك اوي ياإيثار ليه مش بتيجي معانا 
أستأذن انا بقى !
ردت عليها رانيا وهي تصافحها بحرارة 
مع الف سلامة ياإيثار
_ تركت المنزل والحزن مخيما عليها لفراق طفل أخر ولكنها قررت تناسي الأمر لإستكمال الطريق فتلك هي مهنتها .. مجالسة الصغار وغرس مباديء الألفة والود في نفوسهم الصغيرة ..
زفرت أنفاسها وهي تستجمع شتات الأمل حتى تقابل طفلا أخر في مسيرتها التربوية ..
ذهبت إلى مقر المكتب التابعة له عقب أن طلبتها مديرة المكتب بصورة متعجلة فما كان منها إلا تلبية النداء والذهاب على الفور لتتفاجيء بالمديرة تبلغها بجدية 
دي أسرة أجنبية لسه واصلين مصر أول أمبارح
طفلتهم رضيعة عندها سنتين إلا شهر ولا حاجة .. والد الطفلة جه بنفسه هنا وطلب مربية بمواصفات قياسية وانا ملقيتش عندي مربية أفضل منك خصوصا ان ليكي كاريزما خاصة مع الأطفال الصغيرين !
_ كانت مفاجأة بالنسبة إليها فقد كانت ترغب ببضع أيام كأجازة لها لتجدد نشاطها وتعتاد غياب الصغير مصطفى قبل استلام العمل لدى أسرة جديدة ..
ولكن من الواضح ان تلك الفرصة لن تسنح لها فبادرتها المديرة عقب استشعارها بما تخبئه داخل صدرها ولا تنطق به 
عارفة انك كنتي محتاجة اجازة خصوصا بعد ما سيبتي مصطفي لأنك كنتي متعلقة بيه بس دي فرصة بالنسبالك والراجل اللي هتشتغلي عنده شكله جنتل خالص عشان كده اعتبرتها فرصة ليكي !
ابتسمت لها إيثار وهي تومئ رأسها إيجابا ثم ردت بتنهيدة شبه منهكة 
ماشي حضرتك هروح أمتى 
_ بحثت المديرة بإحدى الأوراق الصغيرة عن تلك الورقة
المدون بها للعنوان والتفاصيل للوصول إلى المكان المنشود حتى وجدتها ومدت يدها بها وهي تقول 
ده العنوان والتليفونات لو معرفتيش توصلي وعلى فكرة في الحسابات ظرف بأسمك فيه مبلغ مالي هدية من أسرة مصطفي لجهودك مع الولد.. مدام رانيا بلغتني انك رفضتي تاخدي اي حاجة عشان كده فضلت تسيبهولك هنا !
_ بدى على وجهها الإمتنان والسعادة ليس للمبلغ المالي ولكن لتقدير المحيطين حولها لها .. فقد كانت في حاجة ماسة إلى هذا الدعم المعنوي إلى
تقدير ذاتها ومدح عملها .. وها هي قد ظفرت بها بعد مجهود مضني وإخلاص متفاني ..
هزت رأسها ثم نطقت برقة 
شكرا.. عن أذنك.
...........................................
تأنقت إيثار في ثيابها الجديدة ثم نظرت لحالها بإعجاب في المرآة ثم ضبطت وضعية حجابها الأزرق الذي تماشى مع كنزتها الفيروزية وبنطالها الأبيض .. وأكملت تنسيق ثوبها عن طريق وضع عقدا متعدد الألوان حول عنقها وأعلى حجابها ثم انطلقت للخارج وتعجلت بخطواتها للذهاب إلى مكان العمل الجديد
.. كان الطريق مزدحما گعادته فأضطرت لإستجار سيارة للأجرة حتى تستطيع الوصول مبكرا ...
_ كان المكان عبارة عن فيلا صغيرة في منطقة سكنية حديثة يبدو على هيئتها الخارجية البساطة والرقي وعدم التكليف .. 
ظهر الإعجاب واضحا على تعابير وجهها ..
عبرت البوابة والتي كانت خالية من أي حراسة بخطوات ثابتة ومنها سارت عبر الممر الحجري المزدان على جانبيه بالمزروعات الصغيرة والورود المتفتحة ذات الألوان المبهجة ...
استنشقت عبير الأزهار وهي تبتسم متفائلة بالخير في هذا المكان منذ أن وطأت أعتابه بقدميها طرقت الباب بتوتر قليل وانتظرت أمامه وهي تحاول الحفاظ على هدوء ابتسامتها ..
وما هي إلا لحظات حتى انفتح لها لتظهر الخادمة من وراءه وهي تحمل الطفلة الرضيعة ..
استقبلتها إيثار بإبتسامة ودودة ولاحظت على مرأى العيان فشل الخادمة في التعامل مع الصغيرة ..
تساءلت الخادمة راوية بنفاذ صبر وهي ترمقها بنظرات سريعة خاطفة لكنها متأملة لهيئتها العامة 
خير حضرتك عايزة مين
ردت عليها إيثار برقةوهي تنظر للطفلة الباكية بشفقة انا المربية الجديدة جاية عشان... آآ
تنفست راوية الصعداء وكأنها وجدت السبيل لنجاتها من بكاء الصغيرة 
هو انتي!! اتفضلي اتفضلي 
_ ولجت إيثار للداخل فتفاجئت بها تضع الرضيعة بين يديها وهي تقول بصوت خفيض يملئه اليأس 
خدي اتعاملي معاها احسن انا من ساعة ما جيت امبارح مش عارفه اسكتها خالص !
تناولت إيثار الصغيرة بين ذراعيها بحنان أموي جلي .. ومسحت على ظهرها برفق حتى تستكين وتكف عن البكاء ..
ثم تأملت ملامحها الجميلة بدقة ..
كانت الصغيرة آية من إبداع الخالق .. فهي تملك ملامح آسرة بالإضافة إلى شعرها الأشقر وعيناها الزرقاوتين وبجانبهم بياض بشرتها ونعومتها ..
مسدت إيثار على رأسها بحنو فشعرت وكأنها قطعة منها.. گأبنتها أو ماشابه ذلك لا تعلم ماهية هذا الشعور ولكنها شعرت بالسعادة لوجود هذا الكائن الملائكي بين يديها وفي أحضانها ..
توجهت للداخل بخطوات بطيئة وهي تهدهدها وممررة أصابعها على خدي الصغيرة وجبهتها ..
استجابت الصغيرة لحركاتها المداعبة وبدأت في السكون والنظر لها بأعين متفحصة دارسة .. 
وبحركة طفولية بريئة مدت أناملها الناعمة الصغيرة ولمست وجنتي إيثار . 
_ خلق بينهما الانسجام منذ المقابلة الأولى ومنذ تعارفهما الأول .. 
جلست إيثار على طرف المقعد ثم أسندتها على ذراعها وهي تداعبها بالذراع الأخرى حتى أنها تناست البحث عن أصحاب المنزل والتعرف عليهم .. فتلك الصغيرة أسرتها في عالمها الطفولي البريء وأعادت الضحكة إليها ..
_ وإذ بها فجأة تنتفض من مكانها ووقع قلبها في موضع قدميها..
تساءلت بعدم تصديق هل ما سمعته هو الكذب أم أنها تتوهم !! 
_ جابت المكان بناظريها المتفحصتين الباحثتين لتجد صاحب الصوت ولكنها لم تجده .. كان الصوت يقترب منها فتزداد نبضاتها تلاحقا حتى رأته يهبط درجات السلم موليها ظهره وهو يتحدث بهاتفه بهدوء
يبقى على معادنا بالليل الساعة 10 سلام 
_ حضرت راوية بين يديه سريعا ثم نطقت وهي تشير أتجاه إيثار وتقول بإبتسامة 
المربية الجديدة جت يافندم اهي
أومأ برأسه متفهما ثم الټفت نحوها ولكن تجمد الحديث على لسانه وتحرك قلبه من مكانه مرة أخرى بعد سنوات قد دهس فيها قلبه أسفل نعليه ..
رمش بعينيه عدة مرات ليستوعب أنها أمامه وليست طيفا .. 
فغر فمه غير مصدق وجودها ..
ثم عبس بوجهه فجأة وتجمدت تعابيره بل وقست نظراته وهو يقول بصوت يحمل الشراسة 
انتي !!!! 
_ لقد صدق حدسها انه هو .. ذاك الذي ظنت أنه حبيب قلبها وخليل فؤادها ..
المنتظر الذي طالما انتظرته لسنوات عديدة آملة رؤيته لمرة واحدة ..
وها هو حلمها يتحقق هو الآن أمامها ولكن يحمل وجها جديدا بملامح مختلفة ويختبئ بجسده المشدود خلف حلته السوداء التي أعطت لمظهره هيبة ومهابة ..
تغيرت نظراته الحانية وبدى أكثر جدية إن صح التعبير أكثر قسۏة عما مضى ..
لم تجد فيه الروح المرحة التي عاهدتها منه ..
إنه شخص جديد كليا ..
تسارعت أنفاسها إلى حد ما فجاهدت لضبطها أمامه ..
لم تتخيل أن وجوده
 

34  35  36 

انت في الصفحة 35 من 64 صفحات