وقف هارون في غرفة ملابسه
بقوة يستنشق عبير وجودها مرة أخرى وهو لا يكاد يصدق نفسه فمازال يشعر أنه داخل حلم جميل.
أنت موجود بجد ولا دا حلم قولي أنه مش حلم يا حبيبتي قولي أنه مش حلم يا سدرة.
لأ مش حلم يا هارون دا كابوس وكابوس أسود كمان انا مصدقت خلصت منك رجعت تاني ليه رجعت عشان تعذبني وتتهمني بالخېانة ولا عشان تعرفني أني مليش قيمة عندك وعادي عدوك يخطفني ويموتني كمان.
لأ يا سدرة لأ يا حبيبتي تعالي معايا وانا هفهمك كل حاجة.
أشارت له سدرة محذرة.
أوعى تقرب مني فاهم انا ولا عايزة أعرف حاجة ولا حتى أفهم منك أنت بالذات حاجة كل اللي عايزاه أني أفضل في الحياة اللي أختارتها بأرادتي ولاقيت فيها نفسي وذاتي.
وقف بعض الناس من المارة وكذلك حمدي وأم مراد يشاهدون ما يحدث بصمت وقد تعجبت الأخيرة مما يدور أمامها ومن ذلك الرجل الذي تصرخ عليه سدرة وتعنفه ومن أين تعرفه فأقتربت منها تضمها برفق.
أبتعدت عنها سدرة وتركت المكان تركض بعيدا فلحق بها هارون حاولت أم مراد منعه وأمسكت يده بقوة.
ياريت تسبها في حالها يا جدع أنت وأديك شايف أنها مش عايزاك وكرهه وجودك.
نظر لها هارون پغضب ثم أبعد يدها برفق.
أنت مش عارفة حاجة ولا فاهمة أيه اللي حصل سبيني انا لازم ألحقها.
استني يا طنط انا هفهمك كل حاجة.
صاحت به أم مراد.
أبعد عن وشي
أنت كمان.
هز حمدي رأسه برفض وأصر على منعها.
مټخافيش على سدرة من هارون لأنه يبقى جوزها وعمره ما هيأذيها دا بيحبها وبيعشقها وبيدور عليها بقاله سنة.
أتسعت عين أم مراد متعجبة ونطقت بخفوت.
نظرت لحمدي تسأله.
وليه هربت منه المدة دي كلها.
أشار لها حمدي على مقعدين بجوارهم.
ممكن تتفضلي هنا وهحكيلك كل حاجة.
نظرت له أم مراد بضيق فهى ترتاب في أمره منذ أن جاء برفقة أبنتها الهاربة صابحا لطلب عفوها والسماح عنها لكنها مضطرة لسماعه حتى تعلم ما في الأمر وجلست وجلس حمدي بجوارها وبدأ يقص عليها ما حدث خلال الفترة الماضية وسرد كذلك قصة تعارفه بأبنتها إلى أن جاء بها لهنا.
سبني يا هارون بقولك سبني.
ضمھا هارون من ظهرها لصدره وأمسك يديها يقيد حركتها.
أسيبك دا انا ما صدقت لقيتك مفيش حاجة هتقدر تبعدك عني تاني فاهمة.
صړخت سدرة بهياج.
انا رديتك في اليوم اللي أتخطفتي فيه وبعد ما عرفت أنك بريئة.
هدأت سدرة قليلا ونظرت له من طرف عينها.
أه طبعا عشان عرفت أني بريئة ردتني صح أنما لو معرفتش كان زمانك لسه مطلقني لكن انا اللي مش عايزاك يا هارون وحتى لو ردتني فانا هرفع عليك قضية طلاق ولا خلع.
زمجر هارون پغضب.
بقى كدا يا سدرة عايزة تخلعي هارون البنا بذات نفسه دا أنت بتحلمي.
أجابته سدرة بعناد وأصرار.
أه هخلعك ومش هقعد على ذمتك يوم واحد فاهم.
أومئ لها هارون بسخرية.
تمام حقك بس من هنا لغاية ما المحكمة تحكم ليك أنت مراتي وهتفضلي معايا وتحت طوعي فاهمة.
ضړبت سدرة الأرض بقدميها تحاول الفرار منه دون جدوى.
أنت بتحلم عمر ما في سقف هيجمعنا تاني يا هارون فاهم.
وحشني اسمع أسمي منك جدا ياريت متبطليش تقوليه تاني.
أهتزت أوصالها وكادت تهوى كما هوى قلبها وعقلها في غياهب حبه لكنها أبطنت ما تشعر به وصړخت في وجهه.
انا بكرهك بكرهك ياريت ما قبلتك تاني.
لم يحرك هارون ساكنا وأجابها بابتسامة حالمة.
وانا بحبك وبعشقك وكنت بدعي ربنا أنه يرجعك ليا بالسلامة تاني والحمدلله أنه أستجاب دعايا.
ثم زفرة بقوة وقال بنبرة يشوبها الجمود.
ودلوقتي آن الأوان أننا نرجع لبيتنا تاني يلا بينا.
وئد هارون كل محاولات سدرة بالهرب منه وأخذها رغما عنها للفندق ومن هناك أخبر سائقه بالأستعداد للرجوع مرة أخرى إلى القاهرة وبالفعل نجح في السيطرة عليها وأعادها حيث كان ينتظرهما الجميع بعدما أخب ثمرهم هارون عبر الهاتف أنه وجدها بالصدفة في الاسكندرية.
الجزء السادس
أنتهى حمدي من سرد ماحدث لسدرة لأم مراد مما جعلها تشفق عليها أكثر وهزت رأسها تكمل ما عاشته سدرة خلال العام الذي غابت عنهم فيه.
اللي طلبت مني تطلع تساعدني مع أني مكنتش موافقة بس هى صممت وبقالها فترة معايا حسيت أنها رجعت للحياة وزهرت وبقت كلها حيوية ونشاط ولما جيت أسألها هى منين وأيه حصل معاها سكتت شوية وقالت ليا انا بعتبر نفسى أتولدت يوم ما جيت هنا وعشت معاكم وأي حاجة قبل كدا مش عايزة أفتكرها ولا أتكلم فيها وانا لما لقيتها كدا محبتش أضغط عليها وسبتها براحتها.
أومئ حمدي متفهما ونظر لها ممتنا لصنيعها.
جحظت عين نبيلة پصدمة ووضعت كفها تصم به صړخة كادت تفضي بها.
أنت بتقول ايه وأمتى حصل ده!.
زفر حمدي بقوة ونطق بنبرة يغلبها الأسف.
حصل بعد ما سابت البيت بكام يوم سهيلة لما جتلك الصبح كانت جاية تحكيلك على كل حاجة حصلت معاها بس أنت مديتهاش فرصة أنك تسمعيها اه سهيلة غلطت وغلط كبير كمان انا مبنكرش ده بس المفروض نلتمس ليها العذر لأنها لسه صغيرة تسعاتشر سنة يعني في سن مراهقة وسهل أن ينضحك عليها فيه بكلمة زي ما عمل الحقېر اللي أسمه شريف يمكن لو بنتك معدنها مش نضيف وحضرتك مربيها صح كانت غلطت معاه عادي لكن هى مقبلتش الغلط ودافعت عن نفسها وحمت شرفها ومش بس كدا دي هربت وقررت ټموت روحها ورمت نفسها قدام عربيتي لولا ستر ربنا وأن ليها أجل كان حصل ليها حاجة لا قدر الله.
لم تستطع نبيلة تحمل المزيد وأنهارت في البكاء على ما مرت به أبنتها الكبرى وأول فرحتها وأول ما رأت عينها من أطفال.
انا مكنتش أعرف كدا انا فكرتها أتجوزته أو ضحك عليها وبعدها رماها وجايه تستسمحني بعد ما ضيعت نفسها.
ربت حمدي على كفها وشعر بالشفقة عليها.
أهدي يا طنط ومتعيطيش وأن شاءالله كل حاجة هتتصلح.
نظرت له نبيلة بحزن.
هى فين سهيلة هنا ولا رجعت مصر تاني.
هز حمدي رأسه نافيا.
لأ موجودة هنا ونايمة في الفندق بعد ما تعبت من كتر العياط والزعل.
مسحت نبيلة عبراتها بكفيها ونظرت لحمدي تسأله.
ممكن اعرف أنت ليه واقف معاها وليه بتساعدها.
زين حمدي وجهه بابتسامة حانية.
لأني بقدرها وبحترمها.
ثم فرك جبينه بتوتر.
وكمان بحبها دا بعد أذن حضرتك طبعا.
شردت نبيلة للحظة ثم سألته مرة أخرى وهى تدقق في تعابير وجهه.
ويا ترى هتقدر تتقبلها بعد ما عرفت ماضيها مش هتخاف لتكرر معاك اللي عملته معايا مش هتعيرها بغلطها عند أول مشكلة تقابلكم ولو سامحتها وتقبلتها هتقدر تتقبل أن أمها مجرد ست بسيطة بتبيع شاي وقهوة وحاجة ساقعة على كورنيش البحر.
رفع حمدي عينيه لها وقال في ثبات وقوة.
من ناحية متقبلها فانا متقبلها من زمان ومش فارق معايا اللي حصل لها حقيقي وسبب مجيي معاها النهاردة هو أني أطلب إيدها منك ولو وافقتي كنت هسافر القاهر وأجيب ماما ونيجي نتقدم لحضرتك رسمي.
هزت رأسها بحزن وأعادت سؤالها عليه.
مكملتش جواب على باقي السؤال يا بيه.
أبتسم حمدي لها لكي تطمئن.
انا مش هقولك أن الحياة بنا هتبقى وردية أكيد هيكون فيها مشاكل بس مش هتوصل للمعايرة لأن انا أدرى واحد باللي مرت بيه وشافته سهيلة أحتاجت وقت كبير أتعالجت فيه عند دكتور نفسي عشان ترجع لطبيعتها من تاني انا عايشت دا كله معاها وشوفت أنهيارها نتيجة ندمها وكمان تجربة هارون مع سدرة أدتني درس أني محكمش على الكتاب من عنوانه سهيلة بنت رقيقة وطيبة وصغيرة وأنت كنت قافلة عليها بزيادة وشديدة معاها ودا اللي خلاها تدور على الحب والأهتمام عند أول حد قالها كلمة حلوة وحظها وقعها مع واحد معندوش ضمير يبقى ليه نشيلها الذنب كله ليه منديهاش فرصة تانية تثبت فيها لينا
ولدنيا كلها أنها فعلا كويسة وتشرفني انا كمان لأن حضرتك ست مكافحة وشريفة كفلتي ولادك الأيتام وربتيهم أحسن تربية بشرفك ومن عرق جبينك والله يا طنط ومن غير مجاملة أو كڈب انا بفتخر بحضرتك وأتمنى أنك توافقي على جوازي من بنتك عشان تبقي حماتي فعلا وأمي التانية.
أنهمرت عبرات الفرح من عيني نبيلة وهى تبتسم له بعدما أسعدها كلامه عن أبنتها وشعرت بصدقه في كل كلمة قالها فأومأت له عدة مرات.
موافقة....... انا موافقة يا أبني.
أتسعت ابتسامة حمدي بسعادة ورفع وجهها ممتنا حامدا لربه لتوفيقه إياه في تليين قلبها وجعلها تسامح سهيلة فعلا نظر لها حمدي وأمسك بكفها يلثمها بحب.
شكرا ليك يا ست الكل حقيقي مش عارف أقولك أيه انا فرحان قوي قوي ولسه سهيلة كمان لما تعرف أنك سامحتيها ووافقتي
على جوازنا مش هتصدق نفسها وهطير من الفرحة استني انا هتصل عليها أكلمها وأقول ليها وأخليك تكلميها كمان.
أمسكت نبيلة يده التي بها الهاتف ونظرت له تهز رأسها بنفي.
لأ متتصلش بيها دلوقتي انا صحيح وافقت على جوازكم وسامحتها بس سبني أستعد نفسيا انا كمان عشان أقدر أكلمها ولما أشوفها أخدها في حڼي وانا قلبي مش شايل منها خليها بكرة الصبح لأن هقضي الليلة
في الصلاة والدعاء لربنا أنه يلين قلبي ويخليني أسامحها وأقدر أتقبلها من تاني.
أومئ لها حمدي متفهما.
تمام يا طنط خدي وقتك ومنين ما تكوني مستعدة كلميني هجيب سهيلة وأجيلك انا هفضل في الفندق هنا كام يوم لغاية ما تستعدي براحتك.
أبتمست نبيلة بعذوبة.
انا مش هاخد الوقت دا كله أن شاء الله بكرة الصبح بالكتير هكون تمام وياريت متعرفهاش أني عرفت حاجة لغاية ما نتقابل تاني.
زفرة حمدي بقوة وهز رأسه برفق.
حاضر زي ما تحبي يا طنط.
في طريق العودة إلى القاهرة جلست سدرة في المقعد الخلفي تبتعد كليا عن هارون صامتة تنظر للطريق من خلال زجاج الباب لم تعيره أهتماما وظلت